للزوار الجدد: لحظة من فضلك! نرجو الاطلاع على سياسة المدونة قبل قراءة التدوينات

Tuesday, January 22, 2013

نعي شهيدٍ لم يُصرَع بعد


أنعاك وأنت حيٌ بعد، لأنّي لن أكتب حين تموت.

حينذاك، سيصعب على أصابعي المضرجةِ بدماءٍ دافئةٍ تنزُ من جسدك الممزق الإمساكُ بقلم، وستنشغل يداي عن جمع الأوراق بسند رأسك الذي نزع الموت عنه، أخيراً، صلابته وشموخه.

ربما تزهق روحك طلقات رسمية من عتاد النظام الحاكم، أو ربما طعنات وضربات من زبانيته ومرتزقته. في الحالتين سأنشغل عن تنميق كلمات مرثية بإحصاء الثقوب والطعنات في لحمك.

سيقتلونك يا صاحبي كما قتلوا سابقيك، ثم يجعلون من دمك شحماً لتروسٍ تدير آلة تحقيق مطامعهم.

سيلقون بجسدك المشقوق رمة أخرى على كوم القتلى الذي يتسلقونه هم وأنصارهم وصولاً للعرش (وأي عرش هذا الذي يُنصَب على الأشلاء؟ أراه وسط نعيق غربان ورائحة عفن ولون موت). أما نحن وأمثالنا الآتون بعدنا سنجعل منك وممن سبقوك ويلحقون بك طواطم نبجلها ونُقَرِّبُ لها دموعنا ثم ثناءنا.

أنت في سجلاتهم مثير للشغب بلطجي، ولكن في ضمائرنا عَلَمٌ ينافس أبا الهول شموخاً في صفحات التاريخ، فأنت حقاً هولٌ لهم وللفساد الذي يعيثونه في أرضنا.

وبينما تشق أمك صدرها وتمسح عن وجهها زينتها حداداً، سيتبادلون هم قبلات التهنئة فتتلطخ وجوههم حمرةً بدمائك التي تقطر من شفاههم. وتغلي دمانا في عروقنا، حتى نلحق بك الواحد تلو الآخر. فإما يغرقون ويلقون حتفهم في بِرَك دمانا التي يسيلونها، أو تكون آثارها وقد لطختهم شهادة عليهم لنا أمام التاريخ؛ وفي كل الأحوال نترك الأرض لهم، للضباع والجوارح والأفاعي. وهذا، في آخر المطاف مبتغانا: أن يجتمع الأبرياء والأنقياء والمخلصون في مكان، ويُعزَل عنهم الخبثاء والسفاحون والغدارون. والخونة.

هم موّحدون، لكنهم موحدون بأنفسهم وحسب، ولا يُقَدِّسون مكتوباً إلا دفاتر أرقام حساباتهم البنكية، أو ربما سجلات أسماء أنصارهم وأتباعهم.

الشيطان نفسه يستحي منهم، ويحمر وجهه الممسوخ خجلاً من منهجهم؛ فإبليس صريح يجهر بنيته للكيد بالخلق، بينما هم مراوغون يوارون شرهم وضررهم وراء اللحى والابتسامات الصفراء والسِبَح والمصاحف وسجاجيد الصلاة.


مقتنع أنا أن الوطن قد استكفى من دماء خيرة شبابه، وقد دبّت الحياة في أوصاله بعد أن ارتوى فانتعش؛لم يعد لمقتلك الآن غاية! إن كان أحد مستوجب الموت اليوم فهم أعداء وطننا ومغتصبوه ومستغلوه! لا تمت أرجوك، عِشْ، ففي حياتك وأمثالك نور لنا جميعاً! عِشْ، ففي حياتك شوكة في لحمهم تؤرقهم وتُذَكِّرهم أن الأمر لم يستتب لهم. ما جدوى موت كل أبطالنا شهداء؟ لن يبقى على أرض الوطن إلا التافهون والجشعون. والخونة.


لا تمت بالله عليك، فبموتك تحقق لهم مآربهم: أن ينزاح كل صوت حر وعقل مستنير من طريقهم! ابقَ، لأن بقاءك نبراس يلقي النور موجات متعاقبة على الأركان المعتمة التي يحاولون التخفي وقاذوراتهم فيها. ابقَ كي نكشف سوياً ونفضح ثم ننقي تلك العفونة! لا تمت، فلن يزعجهم انطفاء الشموع والمصابيح والمشاعل، فقد عاشوا أعواماً هذا قدرها تحت الأرض حتى اعتادوا العمل في الظلام. النور يزعجهم. يربكهم. يشوش خططهم.

الأنا بداخلي تأبى أن تَدَعَك، فقد سأمتُ لحظات الوداع. لا تخرج، أنت أثمن من أن ينتهي عمرك بينما مستذئبة يعيشون وينهشون لحومنا ذات اليمين وذات اليسار!

لكن الأنا العليا بداخلي توقن أنك صاحب قضية، وأنك اقسمتَ أن تأتي بحق مَن قُتِل من رفاقك أو تموت مثلهم.
اذهبْ، اذهبْ كي يرتاح ضميرك وتهدأ مهجتك. اذهبْ، فأنا اعرفك جيداً، ولأني اعرفك أرى ما قد يخفى على غيري... أرى وراء عينيك لهيباً يحترق ويلتهم باطنك يوماً وراء يوم، ولن يطفئه إلا قصاص أو راحةٌ بشهادة. اذهبْ، فوراء كل ضحكة تضحكها أرى دمعة مستترة تسيل من عينيك إلى داخلك لا على وجهك، ولن يكفف دموعك إلا قصاص أو راحةٌ بشهادة.


مُتْ شهيد قضيتك يا صديقي، فالحياة تحت حكم الأوباش وبين أتباعهم لا تليق بسمو مقامك! مُتْ شهيداً يا صديقي، واسمع مني الآن قبل أن يسد تراب القبر أذنيك:

اكرهُ أنك قبلتَ لي التمرر بموتك، واكرهُ أنني ملزَمٌ أن اشجعك على قرارك من أجل مصداقيتنا أنت وأنا إخلاصاً لمناهجنا، واكرهُ كلَ مَن كان سبباً في أن يقدم أمثالك ذواتهم وقوداً يحترق ويصير رماداً ربما يدفع محركات الوطن إلى الأمام.



1 comments:

Acid said...

(Y) ... I like the Style.
Keep'em coming ...

Post a Comment